تمثل الثقافة اليابانية طريقتان بارزتان فريدتين للتعبير عن هذه الحاجة العميقة، الأولى هي البوسوزوكو 暴走族 التي تتعلق بدراجات نارية معدلة بشكل متهور، والثانية هي الكيدو ريسر 街道レーサー، ثقافة سيارات معدلة بشكل فني متقن. وبينما يمثل كل منهما “قبيلة” مختلفة، فإنهما يعبران عن نفس الفكرة – الحاجة إلى الانتماء.
البوسوزوكو ..القبيلة العنيفة وجنونيّة السرعة
تعتبر “البوسوزوكو” أحد أشهر الظواهر الثقافية في اليابان، خاصة بين شباب السبعينيات والثمانينيات. تُترجم الكلمة إلى “القبيلة العنيفة”، وتصف مجموعات من راكبي الدراجات النارية الذين اجتمعوا ليلاً في شوارع المدن الكبرى، وأحيانًا على الطرق السريعة، في تجمّعات غير قانونية. كانت هذه المجموعات تطلق أصواتاً مدوية من محركات دراجاتهم المعدلة وتقوم بعروض استعراضية جريئة في شوارع المدن.
تعود أصول هذه الثقافة إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تأثرت بالطيارين اليابانيين الكاميكاز الذين كانوا محرومين من تحقيق الشهادة التي كانوا يطمحون إليها في الحرب. انتشرت هذه الظاهرة بين الشباب في السبعينيات والثمانينيات، فبدؤوا يلبسون زيّاً موحداً يضم ملابس عسكرية وزخارف وطنية، وكانوا يزينون دراجاتهم النارية بمحركات قوية وهياكل غير تقليدية.
تجمّعت هذه المجموعات في الأماكن العامة بشكل غير قانوني، وكانت تثير الفوضى مع سيارات الشرطة من خلال مناوشات وتحديات. هذه الظاهرة كانت مزيجاً من التمرد ضد النظام والهوية الفردية التي يسعى هؤلاء الشباب لتحقيقها.
الكيدو ريسر ..سيارات معدلة بطريقة فنية
على الرغم من أن ثقافة “البوسوزوكو” كانت تركز بشكل أساسي على الدراجات النارية، إلا أن ظاهرة أخرى مشابهة نشأت حول سيارات معدلة خصيصاً للاستعراض، وتسمى “الكيدو ريسر”. بدأت هذه الثقافة في منتصف السبعينيات في اليابان، عندما بدأ عشاق السيارات في تعديل سياراتهم لتشبه سيارات السباق التي كانت تتسابق في حلبة “فوجي” الشهيرة.
كانت التعديلات في “الكيدو ريسر” تتضمن إضافة أجزاء ضخمة مثل الأجنحة الأمامية والخلفية، وتوسيعات في العجلات، بالإضافة إلى طلاءات متقنة وألوان جريئة، كلها تهدف إلى جعل السيارة مميزة وجذابة للنظر. كما كان “الكيدو ريسر” يُظهر في الأساس الجانب التمردي من خلال التعديلات غير القانونية على السيارة، مثل تركيب أنظمة عادم بصوت عالٍ واستخدام محركات قوية، رغم أن الأداء لم يكن هو الهدف الأساسي.
ومن خلال هذه التعديلات، كان الشباب يعبرون عن رغبتهم في التميز والانتماء إلى “قبيلة” معينة، تجمعهم نفس القيم والاهتمامات. كان هؤلاء الشباب يجتمعون في تجمّعات تُسمى “جولات الطريق”، حيث يتجولون في سياراتهم المعدلة عبر الطرق السريعة في الليل، ويتبادلون النقاشات حول السيارات والتعديلات.
الاختلافات والتشابهات بين البوسوزوكو والكيدو ريسر
بينما تختلف ثقافتا “البوسوزوكو” و”الكيدو ريسر” في الشكل، إلا أن بينهما تشابهات كبيرة على مستوى الجوهر. كلاهما يعبران عن الحاجة العميقة للانتماء إلى مجموعة معينة، سواء كانت مجموعة راكبي الدراجات النارية أو عشاق السيارات المعدلة. في “البوسوزوكو”، كان السرعة والصوت المرتفع والتعرض للشرطة جزءاً من التمرد، بينما في “الكيدو ريسر”، كان التعديل الفني والاهتمام بالتفاصيل هو السمة الأساسية.
في الواقع، بينما انقرضت ثقافة “البوسوزوكو” بشكل كبير بسبب التشديدات الأمنية والرقابية، فإن ثقافة “الكيدو ريسر” ما تزال حية ومزدهرة. وقد انتقلت هذه الثقافة عبر المحيط الهادئ إلى الولايات المتحدة، حيث شهدت انتشاراً واسعاً في المجتمعات الغربية، خصوصاً في ولاية كاليفورنيا.
الروح الحية للزوكو “القبيلة”
على الرغم من أن “البوسوزوكو” قد تلاشت بشكل كبير في اليابان، إلا أن روح “الزوكو” أو “القبيلة” لا تزال موجودة في ثقافة السيارات والدراجات النارية. تبقى هذه الثقافة تتغذى على الإبداع الجماعي والتعبير الفني، حيث يسعى الشباب إلى ابتكار تصاميم مدهشة وفريدة تعكس انتماءهم إلى مجتمع معين. اليوم، لا يقتصر هذا الانتماء على السرعة أو التمرد فقط، بل أصبح يشمل جانباً كبيراً من الإبداع الفني والابتكار.