توتو فولف، رئيس فريق مرسيدس في فورمولا-1، يرى أن ألمانيا ما تزال تعاني من “آثار سنوات ما بعد شوماخر” فيما يخص مكانتها في عالم سباقات الفورمولا-1. وفي تصريحات صحفيه، وصف فولف هذه الظاهرة بأنها “غريبة ولا يمكن تفسيرها”.
ألمانيا، التي كانت يومًا ما قلب الفورمولا-1 في أوروبا، أصبحت خارج أجندة السباقات العالمية بشكل لافت في السنوات الأخيرة، على الرغم من تاريخها العريق مع هذه الرياضة.
مايكل شوماخر ..أيقونة خالدة وتأثير دائم
خلال الحقبة التي سيطر فيها مايكل شوماخر، السائق الألماني الأسطوري، على رياضة الفورمولا-1، أصبحت ألمانيا مركزًا رئيسيًا للسباقات. شوماخر، الذي حقق سبعة ألقاب عالمية، من بينها خمس متتالية مع فريق فيراري بين عامي 2000 و2004، لم يكن مجرد رياضي بل رمزًا وطنيًا ألهم جيلاً كاملاً من عشاق الفورمولا-1 في ألمانيا.
في تلك الفترة، لم يقتصر حضور ألمانيا على سباق واحد، بل كانت تستضيف سباقين في الموسم: جائزة ألمانيا الكبرى في هوكنهايم وجائزة أوروبا الكبرى في نوربرج رينج. هذه السباقات كانت تشهد إقبالًا جماهيريًا واسعًا وكانت تُبث على القنوات المجانية، مما ساعد على زيادة شعبية الرياضة في البلاد.
تراجع الحماس بعد شوماخر
على الرغم من النجاحات التي حققها سائقون ألمان بارزون مثل:
سيباستيان فيتيل، الذي توج بأربعة ألقاب عالمية متتالية مع فريق ريد بول بين 2010 و2013.
نيكو روزبرج، بطل العالم لعام 2016 مع مرسيدس لم يتمكن أي منهما من استعادة الحماس الجماهيري الذي أشعله شوماخر. ويرى فولف أن السبب يعود جزئيًا إلى ارتباط الألمان بشخصية شوماخر الاستثنائية وتأثيره الذي يتجاوز الإنجازات الرياضية.
أزمة التنظيم والاستثمار
آخر مرة استضافت فيها ألمانيا سباقًا للفورمولا-1 كانت عام 2020 عندما أُدرج مضمار نوربرج رينج ضمن أجندة السباقات المعدلة بسبب جائحة كوفيد-19. أما جائزة ألمانيا الكبرى على مضمار هوكنهايم، فقد خرجت من الجدول منذ عام 2019.
وفقًا لفولف، فإن السبب الرئيسي لتراجع السباقات في ألمانيا هو التكاليف المرتفعة وعدم وجود استثمارات كافية لدعم استضافة السباقات. وقال: “لتحقيق عائد مناسب من الاستثمار، تحتاج إلى شخص مستعد للاستثمار أولًا. الظروف السياسية والاقتصادية في ألمانيا تجعل ذلك تحديًا كبيرًا”.
وأضاف فولف أنه يتفهم معارضة بعض الألمان لاستضافة السباقات نظرًا للتكاليف العالية، لكنه أكد أن الفورمولا-1 تمثل منصة للابتكار والتكنولوجيا المتقدمة، فضلاً عن دعمها لآلاف الوظائف.
التجربة النمساوية ..دعم سياسي وشعبي
على عكس الوضع في ألمانيا، يُعتبر سباق جائزة النمسا الكبرى، الذي يُقام على مضمار ريد بول رينج في سبيلبرج، مثالًا على النجاح الذي يمكن أن تحققه الفورمولا-1 بفضل الدعم السياسي والاستثمار الاستراتيجي. منذ عودته إلى أجندة سباقات الفورمولا-1 في عام 2014، يحظى هذا السباق بدعم واسع من الحكومة النمساوية، التي تعترف بالقيمة الاقتصادية والسياحية التي يجلبها هذا الحدث للبلاد.
أشار فولف إلى أن السباق في النمسا يُعد نموذجًا يُحتذى به، حيث قال: “في بلدي النمسا، يدعم السياسيون من جميع الأطياف سباق الجائزة الكبرى. يعترفون بالقيمة المضافة التي يجلبها الحدث من حيث التكنولوجيا، السياحة، والترويج للابتكار”.
هل تعود الفورمولا-1 إلى ألمانيا؟
تاريخ الفورمولا-1 في ألمانيا يمتد لعقود طويلة، بداية من سباق نوربرج رينج الأسطوري في منتصف القرن العشرين وصولًا إلى سباقات هوكنهايم في العصر الحديث. مع ذلك، يبدو أن المستقبل غير مشجع، إذ تواجه البلاد عقبات عديدة، منها:
التكاليف العالية لتنظيم السباقات
تتطلب استضافة سباق فورمولا-1 استثمارات ضخمة، تشمل رسوم الاستضافة وتكاليف تحسين البنية التحتية.
انخفاض الشعبية
لم يعد سباق الفورمولا-1 متاحًا على القنوات المجانية في ألمانيا، مما أدى إلى انخفاض عدد المشاهدين وزيادة الفجوة بين الجماهير والرياضة.
نقص السائقين الألمان البارزين حاليًا
مع اعتزال فيتيل وروزبرج، لا يوجد حاليًا أي سائق ألماني ينافس في الفورمولا-1 لجذب الجماهير المحلية.
فرصة لإعادة البناء
يعتقد الخبراء أن الحل يكمن في إعادة بناء شعبية الفورمولا-1 في ألمانيا من خلال توفير البث المجاني وتعزيز الاهتمام برياضة السيارات عبر برامج تدريب ودعم للمواهب الشابة. كما يتطلب الأمر استثمارات استراتيجية من القطاعين العام والخاص لعودة السباقات إلى أجندة الفورمولا-1.
ومع الاعتراف بالتحديات، تبقى ألمانيا واحدة من أعظم الدول في تاريخ الفورمولا-1، وربما تكون العودة إلى الأضواء مسألة وقت إذا توفرت الظروف المناسبة والدعم المطلوب.