في عالم صناعة السيارات، يتواجد دائمًا توازن دقيق بين الابتكار والتعقيد. بينما قد يعتقد البعض أن تبسيط الأمور هو الحل الأفضل، إلا أن الواقع يوضح أن التعقيد المدروس يمكن أن يكون القوة الدافعة وراء تقدم الصناعة. إحدى هذه الابتكارات المثيرة كانت تقنية الضغط المتغير Variable Compression التي قدمتها نيسان NISSAN، والتي أحدثت ضجة كبيرة عند إطلاقها، باعتبارها ثورة قد تغير قواعد اللعبة في محركات الاحتراق الداخلي. ولكن، بعد مرور سنوات على ظهورها، هل كانت هذه التقنية تستحق الجهود المالية والتقنية التي استثمرت فيها؟
بدايات تقنية الضغط المتغير – فكرة عمرها قرن من الزمن
يعود مفهوم المحركات ذات نسبة الضغط المتغيرة إلى أكثر من مئة عام، حيث تم تطوير أول نموذج عملي في عام 1919 على يد السير هاري ريكاردو Sir Harry Ricardo كان الهدف من المحرك آنذاك هو اختبار نقطة الانفجار لأنواع الوقود المختلفة، حيث ابتكر محركًا وحيد الأسطوانة بسعة 2.0 لتر يتميز بآلية تتيح تغيير ارتفاع رأس الأسطوانة بالنسبة للعمود المرفقي. رغم أن هذا الابتكار لم يكن عمليًا للاستخدام في السيارات، إلا أنه شكل حجر الأساس لفهم كيفية تأثير نسبة الضغط على أداء المحرك.
مع مرور السنوات، حاول العديد من المهندسين تطوير تقنيات تجعل الضغط المتغير عمليًا للاستخدام في السيارات التجارية، لكن التحديات التقنية حالت دون ذلك. إلا أن نيسان قضت أكثر من 20 عامًا في تطوير نسختها الخاصة من التقنية، حتى كشفت عنها رسميًا في عام 2016، وطرحتها في الإنتاج التجاري لأول مرة في عام 2019 عبر طراز إنفينيتي .Infiniti QX50
كيف تعمل تقنية الضغط المتغير؟
يعتمد الأداء الفعال للمحركات على نسبة الضغط، حيث تعمل المحركات بكفاءة أكبر عند نسب ضغط أعلى، لكن زيادة الضغط أكثر من اللازم يؤدي إلى الاحتراق الذاتي Detonation، وهو انفجار غير مرغوب فيه لخليط الوقود والهواء قبل إشعال شمعة الاحتراق. هذه الظاهرة تزداد مع المحركات المزودة بشواحن توربينية، ما يجعل تحقيق التوازن بين الأداء والكفاءة تحديًا هندسيًا كبيرًا.
لحل هذه المشكلة، طورت نيسان نظامًا معقدًا يعرف باسم “نظام الوصلات المتعددة Multi-Link System”، والذي يسمح بتعديل موقع المكبس داخل الأسطوانة، وبالتالي تغيير نسبة الضغط أثناء تشغيل المحرك. يتكون هذا النظام من عدة مكونات رئيسية تشمل، عمود تحكم Control Shaft يتصل بمحرك كهربائي صغير يسمح له بالدوران بين وضعيتي ضغط منخفض وعالٍ، وصلة تحكم Control Link تشبه ذراع التوصيل التقليدية، لكنها تتصل بالعمود المتحكم لتمكين التعديل.
أيضاً تتضمن الوصلة السفلية Lower Link والوصلة العلوية Upper Link ل تشكلان آلية شبيهة بـ “المتوازي الأضلاع” Parallelogram التي تدور حول العمود المرفقي. عند تحرك العمود المتحكم، تدور هذه الآلية، مما يؤدي إلى تغيير ارتفاع المكبس داخل الأسطوانة.
يمكن لهذا النظام تغيير نسبة الضغط بين 8.0:1 -نسبة منخفضة تتناسب مع الأداء العالي- و14.0:1 -نسبة عالية تزيد من كفاءة الوقود- عند الحاجة إلى قوة إضافية، يعمل المحرك عند أقل نسبة ضغط، بينما في ظروف القيادة العادية، يتحول إلى النسبة الأعلى لتحقيق استهلاك وقود أكثر كفاءة.
تطبيقات المحرك في سيارات نيسان وإنفينيتي
تم استخدام محركات VC-Turbo في عدة طرازات من نيسان وإنفينيتي، حيث توفر بنسختين رئيسيتين، الأول محرك 1.5 لتر بثلاث أسطوانات يستخدم في سيارات نيسان روج Nissan Rogue ونيسان قشقاي .Nissan Qashqai
والثاني محرك 2.0 لتر بأربع أسطوانات، استُخدم في إنفينيتي QX50، بالإضافة إلى سيارات نيسان التيما Nissan Altima حتى عام 2024، ونيسان مورانو Nissan Murano الجديدة.
الأداء والكفاءة – هل حققت التقنية وعودها؟
عندما تم تقديم أول محرك VC-Turbo، تلقى إشادة واسعة بصفته إنجازًا هندسيًا بارزًا. لكن سرعان ما بدأت التقييمات تكشف عن بعض المشكلات.
وفقًا للتقارير، فإن إنفينيتي QX50 المزودة بمحرك VC-Turbo قدمت تحسنًا في استهلاك الوقود بمقدار 10 كم لكل جالون مقارنة بمحرك V6 التقليدي، إلا أن تأثير نظام الضغط المتغير على هذا التحسن لم يتجاوز 4 كم لكل جالون. والأسوأ من ذلك، أن السيارة سجلت استهلاكًا مماثلًا تقريبًا لمنافسيها الألمان، حيث حققت 43 كم لكل جالون على الطريق السريع، مقابل 41 كم لكل جالون لسيارة أودي Audi Q5، لكنها كانت أقل كفاءة من BMW X3 التي سجلت 49 كم لكل جالون.
في طراز نيسان روج، لم تحقق المحركات الجديدة تحسينًا كبيرًا في استهلاك الوقود مقارنة بالمحركات التقليدية، رغم تحسن التسارع. أما بالنسبة لنيسان التيما، فرغم أن أدائها كان جيدًا، إلا أن ضعف المبيعات أدى إلى إيقاف إنتاج الطراز المزود بمحرك VC-Turbo.
مشاكل ميكانيكية وتحقيقات رسمية
بحلول عام 2023، بدأت المشكلات التقنية تلاحق محركات VC-Turbo، مما دفع الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة الأمريكية NHTSA إلى فتح تحقيق رسمي حول تقارير فشل المحركات في سيارات التيما، QX50، وروج المنتجة بين عامي 2019 و2023.
أشارت التقارير إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في تآكل المحامل Bearings، حيث أظهرت بيانات نيسان أن محامل الروابط السفلية وروابط التحكم في محرك الأربع أسطوانات تعرضت للفشل، بينما واجه محرك الثلاث أسطوانات مشاكل في محامل العمود المرفقي. ورغم أن نيسان أكدت أن معدل الفشل منخفض 0.39% لمحركات الأربع أسطوانات و0.15% لمحركات الثلاث أسطوانات، إلا أن هذه المشكلات أثرت على سمعة التقنية الجديدة.
هل هناك مستقبل لتقنية الضغط المتغير؟
تأتي هذه التحديات في وقت حرج لشركة نيسان، حيث تعاني من أزمة استراتيجية تتعلق بتأخرها في تبني التقنيات الهجينة، لا سيما في الأسواق الأمريكية. وفقًا لتقرير نشر في ديسمبر 2024، أقر الرئيس التنفيذي ماكوتو أوتشيدا Makoto Uchida بأن افتقار نيسان لحلول هجينة متقدمة أثر سلبًا على مبيعاتها.
عند مقارنة تقنية VC-Turbo بالأنظمة الهجينة، نجد أن الفوائد التي تحققها لا تقارن بالقفزة الكبيرة التي توفرها السيارات الهجينة في الأداء والكفاءة. على سبيل المثال، في تويوتا راف Toyota RAV4، أدى التحول من المحرك التقليدي إلى النظام الهجين إلى تحسين استهلاك الوقود من 45 كم لكل جالون إلى 65 كم لكل جالون، وهو ما يتجاوز بكثير مكاسب محرك VC-Turbo.